جزيرة صامتة في بحر من الصوت د. أروى أخضر
صحيفة آراء سعودية
أعجبتني عبارة كنت قد تصفحتها في إحدى المقالات الأجنبية عن
الأشخاص الصم والتي تتطرق إلى an island of silence in a sea
of sound.
وفي وقت من التأمل والتدبر حيال هذه العبارة تلمست مشاعرهم كوني من
اسرة فيها شخص أصم , وعندما يصف لي أخي الأكبر أحياناً بعض المواقف هو وزملائه
التي يتعرضون لها في عدم فهم الآخرين لهويتهم الثقافية.
وكأن البعض فد يعتبرهم أشخاص في جزر معزولة حيث يندر فيها الحوار,
ويقل فيها الكلام وكأنهم " جزيرة صامتة في بحر من الصوت"
الجميع يدرك أن الصم فئة من المجتمع السامع يعيشون في سكون , وهذا
المجتمع والتي تتشكل فيها هويتهم الثقافية يطلق عليه "مجتمع الصم" ومن
خلال حواراتهم وأحاديثهم وعاداتهم ونكاتهم وأوصافهم وتعبيراتهم المتنوعة والمختلفة
التي يُشكلونها فيما بينهم هي أجمل ما يمكن وصفهم به , صحيح أنهم أقلية صامتة في
مجتمع السامعين إلا أن لهم بصمة تميزهم عن غيرهم وهم كاللآلئ النادرة التي يبحر
الغواص بعيداً ويبحث عنها كي يستخرجها ويجمعها, إن ما تتميز به هذه الجزيرة
"الصامتة" هو الهدوء الجميل بعكس الضوضاء الخارجي في مجتمع
"السامعين" والذي يُحاط بهذه الجزيرة الصامتة, كما أن الجمال والنقاء
اللامحدود الذي يتمتعون به والمناظر الخلابة التي تكون في مجتمعهم هو من أجمل ما
تشاهده العين , حيث تستمتع باللغة البصرية ذات الصبغة الجمالية القادرة على سرد
حكايات فنية وابداعية تصف مشاعرهم الإنسانية الراقية بدون حتى أي كلمة, وكما يُقال
أن الصمت أبلغ اللغات, وقد يصنع الصمت مالا يصنعه الكلام, وهي لغة لا يجيدها
الجميع ؛ لذا يقصدونهم الزائرين من كل مكان للاستمتاع بما لديهم من تنوع فريد.
إن الضجيج الصاخب الخارجي قد لا يساعد على الابداع كثيراً, بينما
الأماكن الهادئة الصامتة تساعد على التأمل , لذا كان الصمت لغة العظماء , ففي
صمتهم حكمة تفكر, وكما يقول محمود درويش "في الهدوء نعيم, وفي الصمت
حياة, وما بين الإثنين تفاصيل لا أحد يدركها " ؛فمارسوا هذه
التجربة قليلاً, ولتكونوا من عشاق الهدوء.
تعليقات
إرسال تعليق