لا تسعفوه.. دعوهُ يموتُ بسلامٍ
في أروقةِ الطوارئِ، في ذلك اليومِ الأليمِ، يمرُّ في مخيلتي شريطٌ من الذكرياتِ والمواقفِ المؤلمةِ ممزوجة بأحاسيسِ الخوفِ والقلقِ والحزنِ، في ذلك اليوم الذي أستنجدُ من كلِ طبيبٍ وكلِ ممرضةٍ للدخولِ لغرفةِ أمي -رحمها الله- أتفاجأُ بهروبِ الجميعِ مني، بعد تناقلِهم لمصطلحِ « «DNRلم أكن أدرك معنى ذلك الرمزِ، لكني كنتُ مندهشةً ومتعجبةً من موقفِهم وهم يفرونَ هربا مني، وقفتُ بالممراتِ أترجى كلَ شخصٍ لإسعافِ والدتي، وبمجرد أن يسمعوا هذا المصطلحَ يتحاشونني ويختبئون مني.
أتعلمون أنه رمزُ الموت، إن مصطلحَ «Do not resuscitate» الذي يعني السماحَ بالموتِ الطبيعيِ لهذا المريضِ، أي أن الشخصَ المريضَ هذا لا يجبُ إنعاشُه، ويُمنع عنه أيُ تدخلٍ طبيٍ.
هل لكم أن تتخيلوا معنى ذلك، أن تُدركَ كلمةَ «اتركوها تموت» لمن؟ لأغلى شخصٍ، لأمك، كيف أنسى استنجادَها بعينيها وهي تختنقُ لأن السرطانَ الخبيثَ سيطرَ على رئتِها، وامتلأت الرئةُ بالماء، وأصبحت غيرَ قادرةٍ على التنفسِ.
كلنا مؤمنون بقضاءِ اللهِ وقدرِه، وأن الموتَ حقٌ علينا جميعا، ولكن هذا المقطعَ لا يزولُ من مخيلتي، وكلما تذكرتُه يعتصرُ قلبي ألما وهو لا يغيبُ عن مخيلتي، تلك اللحظاتُ العصيبةُ التي مررتُ بها وهي من أبشعِ الساعاتِ التي قضيتُها في أروقةِ الطوارئ.
فقدتُ أمي، فقدتُ من كانت نفسي في هذه الدنيا، أحدثُكم عن وجعٍ بداخلي عندما قبَّلتُ جبينَها وهي في كفنِها، كل دموعي لا تكفي لأن تروي قصةً عن ألمي واشتياقي لها، رحلتْ ولم أصدقْ حتى الآن رحيلَها، كيف لي أن أشرحَ لابني الذي اعتادَ النومَ بجانبها، وكلما شاهدَ صورَها يبحثُ عنها، كانت أمي كلَ شيءٍ في حياتِنا، وعندما رحلت لم يعدْ شيءٌ ينقصُني، مرت سنةٌ على وفاتِها ودموعي في عيوني، وفاةُ أمي كسرت قلوبَنا، أسألُ اللهَ لها الرحمةَ والمغفرةَ وأن يجمعني بها في جناتِ النعيمِ.
تعليقات
إرسال تعليق